اعلان
تم تحويل المنتدى الى المنتدى الجديد www.mo7ha.comقصة اليهودى انها قصة ممتعة جدا ارجو على و الزوار والاعضاء الدخول عليها الجزء الاول
صفحة 1 من اصل 1
قصة اليهودى انها قصة ممتعة جدا ارجو على و الزوار والاعضاء الدخول عليها الجزء الاول
احك لنا شيئا يا سيادة العقيد . قلنا فى النهاية لنيكولاى إليتش .
ابتسم العقيد وأطلق دفقة دخان من بين شواربه ، ومر بيده على شعره الأشيب ثم سرح ببصره نحونا .
كنا نحب نيكولاى إليتش ، ونحترمه كثيرا لطيبته وحكمته ، ورفقه بإخواننا الشباب . كان طويل القامة ، عريض الكتفين ممتلئ ، ووجهه الأسمر " واحد من أجمل الوجوه الروسية "** ، وصراحته ونظرته الذكية وابتسامته الخاطفة وصوته الجهورى المفعم بالرجولة ـ كل شئ فيه كان يجذبنا ويثير إعجابنا .
ـ هه ، اسمعوا ـ بدأ كلامه ـ الحكاية كانت فى عام 1813م بضواحى دانتسيج*** . آنذاك كنتُ أخدم فى أحد أفواج سلاح الفرسان ذى المهمات الصعبة ، وأذكر أننى كنتُ قد رُقِّيت لِتَوِّى إلى رتبة حامل علم . وكان العمل المُسَلِّى ـ المعارك والحملات ـ شيئا جيدا ، إلا إن الوضع كان مضجرا للغاية فى فيلق الحصار حيث تجلس طوال النهار ، كما كان يحدث ، فى وهدة ما قرب الخيمة على القاذورات أو القش وتلعـب الورق من الصباح إلى المساء . وربما من شدة الملل تذهب لترى كيف تُدَوِّم القنابل والقذائف المتوهجة . فى البداية كان الفرنسيون يسلوننا بهجماتهم وتحرشاتهم التى ما لبثت أن خمدت ، كما أن الذهاب لجمع الطعام للجنود قد أصابنا أيضا بالسأم . باختصار ، فقد هبتْ علينا الكآبة هكذا مثل الإعصار . وقتها كان عامى التاسع عشر قد انقضى لتوه ، وكنتُ صبيا يافعا مفعما بالحيوية . فكرتُ أن أتسلى على أحد الفرنسيين ، أو على … هه أتفهمون … ولكن هذا ما حدث … من شدة الفراغ نزلتُ لألعب الورق . وفى مرة من المرات ، بعد خسارة فظيعة ، أصابنى الحظ . وقرب الصباح ( كنا نلعب ليلا ) كنتُ قد ربحـتُ كثيرا . خرجتُ متعبا ونعسانا إلى الهواء الطلق ، وجلستُ على المتراس الترابى . كان الصباح جميلا وهادئا ، وقد اختفت خطوط تحصيناتنا الطويلة فى الضباب ، فرُحْتُ أستمتع بالمنظر حتى نمتُ فى جلستى .
أيقظنى سعال حَذِر ، فتحتُ عينيىَّ ، رأيتُ أمامى اليهودى البالغ من العمر حوالى الأربعين فى رداء رمادى طويل الأطراف ، وحذاء وطاقية سوداء . كنا نبعث بهذا اليهودى المدعو جيرشيل ، كلما تسلل الملل إلى معسكرنا ، إلى المعمل ليحضر لنا نبيذا ومؤونة وأشياء أخرى تافهة . كان قصير القامة رفيعا ، مجدورا أخمر الوجه ، يرمش قليلا وبشكل مستمر ، وحتى عيناه الحمراوان كانت تطرفان ، ولديه أنف معقوف طويل ، وكان دائم التنحنح …
بدأ بالدوران أمامى ، ثم انحنى بشكل مهين .
ـ هه ، ماذا تريد ؟ سألته فى النهاية .
ـ جئتُ لأعرف هل يمكننى تقديم خدمة ما لنبالتكم …
ـ لستُ فى حاجة إليك ، اغرب .
ـ كما تأمرون ، كما تشاؤون . إننى تصورتُ أنه يمكننى تقديم خدمة ما …
ـ لقد أزعجتنى . اغرب ، قلتُ لك .
ـ حسنا ، حسنا . ولكن اسمحوا لى بتهنئة نبالتكم بالربح …
ـ ومن أين عرفت ؟
ـ وكيف لا أعرف … المكسب كبير … كبير … أوه ! كم هو كبير …
فَرَدَ جيرشيل أصابعه وهز رأسه .
ـ الأمر سيان ـ قلتُ بضيق ـ ما فائدة المال هنا لأى شيطان ؟
ـ أوه ! لا تتحدثوا هكذا نبالتكم . آى … آى … لا تقولوا ذلك . المال ـ شئ جيد ، ضرورى دائما ، كل شئ يمكن الحصول عليه بالمال ، كل شئ نبالتكم ! كل شئ ! فقط مُرُوا السمسار وسوف يحضر لكم كل شئ ، كل شئ نبالتكم ! كل شئ !
ـ كفى أكاذيب أيها اليهودى .
ـ آى ! آى ! ـ كرر جيرشيل نافضا لحيته وسوالفه ـ نبالته لا يصدقنــى … آى … آى … آى … ـ أغمض عينيه وراح يهز رأسه يمينا ويسارا ببطء ـ ولكنى أعرف ما يلزم للسيد الضابط .. أعرف .. الآن أعرف !
اتخذ اليهودى مظهرا شديد الاحتيال .
ـ حقا ؟
طَرَفَ اليهودى فى جبن ، ثم مال نحوى .
ـ يالها من جميلة ، نبالتكم ، يالها ! .. ـ أغمض جيرشيل عينيه ثانية ومط شفتيه ـ نبالتكم ، مُرُونى … سترون بأنفسكم … الآن سأتحدث ، وستستمعون أنتم … لن تصدقوا ، ولكن من الأفضل أن تأمرونى لأريكم … هكذا … هه هكذا !
صَمَتُّ ورحتُ أطالع اليهودى .
ـ هه ، هذا حسن . هه ، جيد . هه ، ها أنا أريكم … ـ انفجر هذا الجيرشيل بالضحك ، وربتَ على كتفى بهدوء ، وما لبث أن وثب كالملسوع .
ـ وماذا بعد ، نبالتكم ، العربون ؟
ـ ولكن ربما تخدعنى ، أو تأتينى بحيوان محنط .
ـ آى ، فاى ، ما الذى تقولونه ؟ ـ ردد اليهودى بحرارة غريبة مشوِّحا بيديه ـ كيف يمكـن ذلك ؟ ما عساكم ، نبالتكم ، مُرُوا بضربى خمسمائة … أربعمائة وخمسون عصا ـ وأضاف على عجل … ـ فقط مُرُونى …
فى هذا الوقت رفع أحد رفاقى طرف الخيمة ونادانى باسمى . نهضتُ مستعجلا وألقيتُ لليهودى ورقة من فئة العشرة روبلات ، بينما راح هو يتمتم فى أثرى :
ـ ضابط ، ضابط
أعترف لكم ، يا سادة ، بأننى ظللتُ أنتظر حلول المساء بفارغ الصبر . فى هذا اليوم نفسه قام الفرنسيون بهجمة ، ورد رتلنا بأخرى . وجاء المساء . تحلَّقنا جميعا حول النيران ، طبخ الجنود عصيدة ، ودارت الأحاديث الفارغة . استلقيتُ على المعطف ، شربتُ شايا ، واستمعتُ إلى حكايات الرفاق . دعونى إلى لعب الورق ، فرفضت . كنتُ فى حالة قلق . راح الضباط ينصرفون بالتدريج إلى خيامهم ، وأخذت النيران فى الخمود . الجنود أيضا تفرقوا أو ناموا فى أماكنهم ، وهدأ كل شئ . لم أنهض ، وكان جندى المراسلة جالسا على معطف أمام النيران كما لو كان يصطاد سمكا ، فطردته وما لبث أن هدأ المعسكـر تماما . مر الحرس الليلى ، وبدَّلوا النوبة . كنتُ طوال الوقت مستلقيا فى انتظار شئ ما .
ظهرت النجوم . وخيَّم الليل . رحتُ أحدِّق طويلا فى النيران التى تكاد تخبو ، إلى أن خمدت فى النهاية آخر شعلة . " لقد خدعنى اليهودى الملعون " ـ فكرتُ بغيظ وأردتُ الصعود .
ـ نبالتكم … ـ تلعثم فى أذنى صوت متوتر مرعوب .
حدَّقتُ : جيرشيل . كان ممتقعا ، يتهته ويهمس .
ـ تفضلوا فى خيمتكم .
نهضتُ وسرتُ وراءه . انكمش اليهودى على نفسه وانطلق فى حرص على الأعشاب الرمادية القصيرة . لمحتُ فى الطرف البعيد شخصا ملفوفا ساكنا . أشار لها اليهودى بيده ، فاقتربتْ منه . تهامس معها ثم توجه نحوى . أومأ برأسه عدة مرات ، ودخل ثلاثتنا إلى الخيمة ومن المضحك القول بأننى كنتُ ألهث .
ـ ها هى ، نبالتكم ـ همس اليهودى جاهدا ـ ها هى . إنها خائفة نوعا ما ، خائفة . ولكننى قلتُ لها بأن السيد الضابط إنسان جيد ، رائع … فلا تخافى ـ وتابع كلامه ـ لا تخافى …
لم يتحرك الشخص الملفوف ، وكنتُ أنا نفسى فى حالة ارتباك فظيعة ، ولا أدرى ماذا أقول . راوح جيرشيل أيضا فى مكانه ، ثم حرك يديه على نحو غريب …
قلتُ له :
ـ ومع ذلك هيا اخرج …
امتثل جيرشيل فى تثاقل .اقتربتُ من الشخص الملفوف ، رفعتُ من فوق رأسها القلنسوة بهدوء . فى دانتسيج كان كل شئ يشتعل : وفى حمرة واندفاع حريق بعيد ، فى لمعانه الواهن رأيتُ وجها ممتقعا ليهودية شابة . أذهلنى جمالها ، وقفتُ أمامها ورحتُ أنظر إليها صامتا . لم ترفع عينيها . حملتنى خشخشة خفيفة على النظر : جيرشيل يطل برأسه من تحت الخيمة . أشحتُ له بغيظ ، فاختفى .
ـ ما اسمك ؟ ـ نطقتُ فى النهاية .
ـ سارا ـ أجابتْ ، وفى تلك اللحظة ومض فى الظلام حَوَرُ عينيها الواسعتين المسحوبتين ، وأسنانها الصغيرة ، المتساوية ، اللامعة .
اختطفتُ وسادتين جلديتين وألقيتُ بهما على الأرض . دعوتها للجلوس ، فخلعت معطفهـا وجلست . كانت ترتدى سترة قصيرة مفتوحة من الأمام ، عليها أزرار فضية مستديرة مختلفة ، بأكمام واسعة ، وقد التفتْ ضفيرتها السوداء الضخمة حول رأسها الصغير مرتين . جلستُ بالقرب منها ، تناولتُ يدها السمراء الصغيرة . مانعتْ قليلا وكأنها تخشى التطلع نحوى ، وراحت تتنفس فى توتر وارتباك . أنعمتُ النظر إلى جانب وجهها ذى الملامح الشرقية ، وضغطتُ بوجل على أصابعها المختلجة الباردة .
ـ أ يمكنك التحدث بالروسية ؟
ـ يمكننى … قليلا . ـ أين ؟
أشارت لى سارا نحو بيت صغير عتيق . همزتُ للحصان ، فانطلق يعدو . على باب البيت كانت هناك يهودية دميمة مشعثة تحاول انتزاع ثلاث دجاجات وأوزة من يدى الملازم الطويل سليافكا الذى كان يرفع غنيمته إلى أعلى ويضحك ، والدجاجات تقاقى والأوزة تزعق ، بينما كان هناك محاربان آخران قد حمَّلا حصانيهما بالدريس والتبن وأجولة الطحين . ومن نفس البيت تصاعدت هتافات الروس الصغار وسبابهم … صحتُ فى جنودى وأمرتهم بأن يدعوا اليهود وشأنهم ، وألا يأخذوا من عندم شيئا . امتثل الجنود للأمر ، وامتطى الملازم فَرَسَتَه الكميت بروزيربينا ، أو كما دعاها " بروجيربيللا " ، وخرج ورائى إلى الشارع .
قلتُ لسارا :
ـ هه ، ماذا ؟ مبسوطة ؟
نظرتْ إلىَّ بابتسامة .
ـ أين اختفيتِ طوال هذه الفترة ؟
خفضتْ عينيها .
ـ سأحضر إليكم غدا .
ـ مساء ؟
ـ لا ، يا سيدى ، فى الصباح .
ـ
ابتسم العقيد وأطلق دفقة دخان من بين شواربه ، ومر بيده على شعره الأشيب ثم سرح ببصره نحونا .
كنا نحب نيكولاى إليتش ، ونحترمه كثيرا لطيبته وحكمته ، ورفقه بإخواننا الشباب . كان طويل القامة ، عريض الكتفين ممتلئ ، ووجهه الأسمر " واحد من أجمل الوجوه الروسية "** ، وصراحته ونظرته الذكية وابتسامته الخاطفة وصوته الجهورى المفعم بالرجولة ـ كل شئ فيه كان يجذبنا ويثير إعجابنا .
ـ هه ، اسمعوا ـ بدأ كلامه ـ الحكاية كانت فى عام 1813م بضواحى دانتسيج*** . آنذاك كنتُ أخدم فى أحد أفواج سلاح الفرسان ذى المهمات الصعبة ، وأذكر أننى كنتُ قد رُقِّيت لِتَوِّى إلى رتبة حامل علم . وكان العمل المُسَلِّى ـ المعارك والحملات ـ شيئا جيدا ، إلا إن الوضع كان مضجرا للغاية فى فيلق الحصار حيث تجلس طوال النهار ، كما كان يحدث ، فى وهدة ما قرب الخيمة على القاذورات أو القش وتلعـب الورق من الصباح إلى المساء . وربما من شدة الملل تذهب لترى كيف تُدَوِّم القنابل والقذائف المتوهجة . فى البداية كان الفرنسيون يسلوننا بهجماتهم وتحرشاتهم التى ما لبثت أن خمدت ، كما أن الذهاب لجمع الطعام للجنود قد أصابنا أيضا بالسأم . باختصار ، فقد هبتْ علينا الكآبة هكذا مثل الإعصار . وقتها كان عامى التاسع عشر قد انقضى لتوه ، وكنتُ صبيا يافعا مفعما بالحيوية . فكرتُ أن أتسلى على أحد الفرنسيين ، أو على … هه أتفهمون … ولكن هذا ما حدث … من شدة الفراغ نزلتُ لألعب الورق . وفى مرة من المرات ، بعد خسارة فظيعة ، أصابنى الحظ . وقرب الصباح ( كنا نلعب ليلا ) كنتُ قد ربحـتُ كثيرا . خرجتُ متعبا ونعسانا إلى الهواء الطلق ، وجلستُ على المتراس الترابى . كان الصباح جميلا وهادئا ، وقد اختفت خطوط تحصيناتنا الطويلة فى الضباب ، فرُحْتُ أستمتع بالمنظر حتى نمتُ فى جلستى .
أيقظنى سعال حَذِر ، فتحتُ عينيىَّ ، رأيتُ أمامى اليهودى البالغ من العمر حوالى الأربعين فى رداء رمادى طويل الأطراف ، وحذاء وطاقية سوداء . كنا نبعث بهذا اليهودى المدعو جيرشيل ، كلما تسلل الملل إلى معسكرنا ، إلى المعمل ليحضر لنا نبيذا ومؤونة وأشياء أخرى تافهة . كان قصير القامة رفيعا ، مجدورا أخمر الوجه ، يرمش قليلا وبشكل مستمر ، وحتى عيناه الحمراوان كانت تطرفان ، ولديه أنف معقوف طويل ، وكان دائم التنحنح …
بدأ بالدوران أمامى ، ثم انحنى بشكل مهين .
ـ هه ، ماذا تريد ؟ سألته فى النهاية .
ـ جئتُ لأعرف هل يمكننى تقديم خدمة ما لنبالتكم …
ـ لستُ فى حاجة إليك ، اغرب .
ـ كما تأمرون ، كما تشاؤون . إننى تصورتُ أنه يمكننى تقديم خدمة ما …
ـ لقد أزعجتنى . اغرب ، قلتُ لك .
ـ حسنا ، حسنا . ولكن اسمحوا لى بتهنئة نبالتكم بالربح …
ـ ومن أين عرفت ؟
ـ وكيف لا أعرف … المكسب كبير … كبير … أوه ! كم هو كبير …
فَرَدَ جيرشيل أصابعه وهز رأسه .
ـ الأمر سيان ـ قلتُ بضيق ـ ما فائدة المال هنا لأى شيطان ؟
ـ أوه ! لا تتحدثوا هكذا نبالتكم . آى … آى … لا تقولوا ذلك . المال ـ شئ جيد ، ضرورى دائما ، كل شئ يمكن الحصول عليه بالمال ، كل شئ نبالتكم ! كل شئ ! فقط مُرُوا السمسار وسوف يحضر لكم كل شئ ، كل شئ نبالتكم ! كل شئ !
ـ كفى أكاذيب أيها اليهودى .
ـ آى ! آى ! ـ كرر جيرشيل نافضا لحيته وسوالفه ـ نبالته لا يصدقنــى … آى … آى … آى … ـ أغمض عينيه وراح يهز رأسه يمينا ويسارا ببطء ـ ولكنى أعرف ما يلزم للسيد الضابط .. أعرف .. الآن أعرف !
اتخذ اليهودى مظهرا شديد الاحتيال .
ـ حقا ؟
طَرَفَ اليهودى فى جبن ، ثم مال نحوى .
ـ يالها من جميلة ، نبالتكم ، يالها ! .. ـ أغمض جيرشيل عينيه ثانية ومط شفتيه ـ نبالتكم ، مُرُونى … سترون بأنفسكم … الآن سأتحدث ، وستستمعون أنتم … لن تصدقوا ، ولكن من الأفضل أن تأمرونى لأريكم … هكذا … هه هكذا !
صَمَتُّ ورحتُ أطالع اليهودى .
ـ هه ، هذا حسن . هه ، جيد . هه ، ها أنا أريكم … ـ انفجر هذا الجيرشيل بالضحك ، وربتَ على كتفى بهدوء ، وما لبث أن وثب كالملسوع .
ـ وماذا بعد ، نبالتكم ، العربون ؟
ـ ولكن ربما تخدعنى ، أو تأتينى بحيوان محنط .
ـ آى ، فاى ، ما الذى تقولونه ؟ ـ ردد اليهودى بحرارة غريبة مشوِّحا بيديه ـ كيف يمكـن ذلك ؟ ما عساكم ، نبالتكم ، مُرُوا بضربى خمسمائة … أربعمائة وخمسون عصا ـ وأضاف على عجل … ـ فقط مُرُونى …
فى هذا الوقت رفع أحد رفاقى طرف الخيمة ونادانى باسمى . نهضتُ مستعجلا وألقيتُ لليهودى ورقة من فئة العشرة روبلات ، بينما راح هو يتمتم فى أثرى :
ـ ضابط ، ضابط
أعترف لكم ، يا سادة ، بأننى ظللتُ أنتظر حلول المساء بفارغ الصبر . فى هذا اليوم نفسه قام الفرنسيون بهجمة ، ورد رتلنا بأخرى . وجاء المساء . تحلَّقنا جميعا حول النيران ، طبخ الجنود عصيدة ، ودارت الأحاديث الفارغة . استلقيتُ على المعطف ، شربتُ شايا ، واستمعتُ إلى حكايات الرفاق . دعونى إلى لعب الورق ، فرفضت . كنتُ فى حالة قلق . راح الضباط ينصرفون بالتدريج إلى خيامهم ، وأخذت النيران فى الخمود . الجنود أيضا تفرقوا أو ناموا فى أماكنهم ، وهدأ كل شئ . لم أنهض ، وكان جندى المراسلة جالسا على معطف أمام النيران كما لو كان يصطاد سمكا ، فطردته وما لبث أن هدأ المعسكـر تماما . مر الحرس الليلى ، وبدَّلوا النوبة . كنتُ طوال الوقت مستلقيا فى انتظار شئ ما .
ظهرت النجوم . وخيَّم الليل . رحتُ أحدِّق طويلا فى النيران التى تكاد تخبو ، إلى أن خمدت فى النهاية آخر شعلة . " لقد خدعنى اليهودى الملعون " ـ فكرتُ بغيظ وأردتُ الصعود .
ـ نبالتكم … ـ تلعثم فى أذنى صوت متوتر مرعوب .
حدَّقتُ : جيرشيل . كان ممتقعا ، يتهته ويهمس .
ـ تفضلوا فى خيمتكم .
نهضتُ وسرتُ وراءه . انكمش اليهودى على نفسه وانطلق فى حرص على الأعشاب الرمادية القصيرة . لمحتُ فى الطرف البعيد شخصا ملفوفا ساكنا . أشار لها اليهودى بيده ، فاقتربتْ منه . تهامس معها ثم توجه نحوى . أومأ برأسه عدة مرات ، ودخل ثلاثتنا إلى الخيمة ومن المضحك القول بأننى كنتُ ألهث .
ـ ها هى ، نبالتكم ـ همس اليهودى جاهدا ـ ها هى . إنها خائفة نوعا ما ، خائفة . ولكننى قلتُ لها بأن السيد الضابط إنسان جيد ، رائع … فلا تخافى ـ وتابع كلامه ـ لا تخافى …
لم يتحرك الشخص الملفوف ، وكنتُ أنا نفسى فى حالة ارتباك فظيعة ، ولا أدرى ماذا أقول . راوح جيرشيل أيضا فى مكانه ، ثم حرك يديه على نحو غريب …
قلتُ له :
ـ ومع ذلك هيا اخرج …
امتثل جيرشيل فى تثاقل .اقتربتُ من الشخص الملفوف ، رفعتُ من فوق رأسها القلنسوة بهدوء . فى دانتسيج كان كل شئ يشتعل : وفى حمرة واندفاع حريق بعيد ، فى لمعانه الواهن رأيتُ وجها ممتقعا ليهودية شابة . أذهلنى جمالها ، وقفتُ أمامها ورحتُ أنظر إليها صامتا . لم ترفع عينيها . حملتنى خشخشة خفيفة على النظر : جيرشيل يطل برأسه من تحت الخيمة . أشحتُ له بغيظ ، فاختفى .
ـ ما اسمك ؟ ـ نطقتُ فى النهاية .
ـ سارا ـ أجابتْ ، وفى تلك اللحظة ومض فى الظلام حَوَرُ عينيها الواسعتين المسحوبتين ، وأسنانها الصغيرة ، المتساوية ، اللامعة .
اختطفتُ وسادتين جلديتين وألقيتُ بهما على الأرض . دعوتها للجلوس ، فخلعت معطفهـا وجلست . كانت ترتدى سترة قصيرة مفتوحة من الأمام ، عليها أزرار فضية مستديرة مختلفة ، بأكمام واسعة ، وقد التفتْ ضفيرتها السوداء الضخمة حول رأسها الصغير مرتين . جلستُ بالقرب منها ، تناولتُ يدها السمراء الصغيرة . مانعتْ قليلا وكأنها تخشى التطلع نحوى ، وراحت تتنفس فى توتر وارتباك . أنعمتُ النظر إلى جانب وجهها ذى الملامح الشرقية ، وضغطتُ بوجل على أصابعها المختلجة الباردة .
ـ أ يمكنك التحدث بالروسية ؟
ـ يمكننى … قليلا . ـ أين ؟
أشارت لى سارا نحو بيت صغير عتيق . همزتُ للحصان ، فانطلق يعدو . على باب البيت كانت هناك يهودية دميمة مشعثة تحاول انتزاع ثلاث دجاجات وأوزة من يدى الملازم الطويل سليافكا الذى كان يرفع غنيمته إلى أعلى ويضحك ، والدجاجات تقاقى والأوزة تزعق ، بينما كان هناك محاربان آخران قد حمَّلا حصانيهما بالدريس والتبن وأجولة الطحين . ومن نفس البيت تصاعدت هتافات الروس الصغار وسبابهم … صحتُ فى جنودى وأمرتهم بأن يدعوا اليهود وشأنهم ، وألا يأخذوا من عندم شيئا . امتثل الجنود للأمر ، وامتطى الملازم فَرَسَتَه الكميت بروزيربينا ، أو كما دعاها " بروجيربيللا " ، وخرج ورائى إلى الشارع .
قلتُ لسارا :
ـ هه ، ماذا ؟ مبسوطة ؟
نظرتْ إلىَّ بابتسامة .
ـ أين اختفيتِ طوال هذه الفترة ؟
خفضتْ عينيها .
ـ سأحضر إليكم غدا .
ـ مساء ؟
ـ لا ، يا سيدى ، فى الصباح .
ـ
Admin- رئيس المنتدى
-
عدد الرسائل : 530
العمل/الترفيه : رئيس الادارة
المزاج : عااااالى قوى
نقاط : 262424
تاريخ التسجيل : 12/07/2008
بطاقة الشخصية
ملاحظة:
(0/0)
مواضيع مماثلة
» الجزء الثانى من قصة اليهودى
» قصة الغرفة المقابلة الجزء الاول
» كيف اتاكد من عذرية الرجل !! الجزء الاول
» صور متحركة جديدة على زوقك ارجو اضافة رد
» العاب جميل للجيل التالت ارجو التثبيت
» قصة الغرفة المقابلة الجزء الاول
» كيف اتاكد من عذرية الرجل !! الجزء الاول
» صور متحركة جديدة على زوقك ارجو اضافة رد
» العاب جميل للجيل التالت ارجو التثبيت
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى